9 يونيو 2008

جلوكباب على مرّ التاريخ

هذه المقالة نشرتها صحيفة «ابتكار» تحت عنوان «چلوكباب در گذر تاريخ»[1] قمت بترجمتها وأهديها إلى جميع هواة جلوكباب في أنحاء العالم.
و لابد لي أن أعبر عن فائق شكري وتقديري لصديقي الفاضل «جبرا غنيم» على مبادرته بالتدقيق اللغوي للمقالة المترجمة.

جلوكباب على مرّ التاريخ

يعتقد الكثير من علماء الإجتماع أن الأطعمة الشعبية للأقوام و الشعوب المختلفة و أسلوب طبخها و كذلك نوعية أكلها تمثل رمزا لحياتهم و بيانا لنمط تفكيرهم و تعتبر مؤشرا على تقاليدهم و آدابهم الثقافية و الإجتماعية. بعبارة أخرى إن الأكلات الشعبية و المحلية تعكس النسيج المهني والإقتصادي والثقافي لكل مجتمع. ولا شك أن جلوكباب إلى جانب آبكوشت يعدّ من أشهى الأطعمة الإيرانية و يحظى بشهرة عالمية. ولا تسعى هذه المقالة فقط للربط بين الجلوكباب و الثقافة الإيرانية الوطنية فحسب بل سنحاول التعرض للتركيبة الطبقية التي كانت سائدة في المجتمع الإيراني قبل 200 سنة والتي كان أحد حواصلها هو هذا الطبق الشهي، وبما أن ذلك المجتمع كان يعتمد على الزراعة و تربية الماشية فقد كان الجلوكباب نتيجة منطقية تجمع بين المحاصيل الرئيسة لذلك الزمان وهي القمح و الأرز و لحم الغنم و البقر و التي كانت المنتوجات الأكثر رواجا وقتذاك. و قام أهل ذلك الزمان بإعداد هذا الطعام بأسهل الطرق المتوفرة و هي طهو الرز و شواء اللحم على النار ليكون الكباب الغني بعبق بلاد فارس وتراثها العريق هو الناتج النهائي لهذه العملية البسيطة. ورغم أن اللحم المشوي يعتبر من أكثر الأطعمة شيوعا منذ القدم وحتى منذ عصر الإنسان البدائي إلا أن إنضاج اللحم بنمط خاص وشواءه على نار الفحم و مزجه بالتوابل و البهارات المتنوعة كالزعفران و السماق، إضافة إلى مزجه بالأرز و الزبدة و الطماطم و البصل بشكل غير مسبوق في العالم، كوّن مجموعة غذائية ناتجة عن إبتكار و ذكاء ومبدعة تتوافق مع الذوق الإيراني الرفيع من ناحية و تعكس وجهة نظر المجتمع و نوعية تفكيره الغذائي الناجم عن نسيجه المهني و الثقافي من ناحية أخرى.

لكن من هو مبتکر هذا الطعام الذي ذاع صيته واشتهر في جمیع أنحاء العالم؟

لقد كتب المؤرخون و السياح الأروبيون الوافدون إلى إيران في العصر الصفوي مواضيع كثيرة عن أنواع الأرز المطهو و المخللات و أنواع المربّى بيد أنهم لم يتحدثوا عن الجلوكباب قط. لكن سكان طهران، و لا سيما من مرّ منهم بسوق طهران، لا بد وأنهم سمعوا عن مطعم جلوكباب نايب . وبناء على نقل بعض المؤرخين المعاصرين مثل جعفر شهري، المؤرخ و الخبير في شؤون طهران، فقد راج طهو الكباب الإيراني بالأسلوب الآنف ذكره و مع الخبز منذ عهد ناصرالدين شاه القاجار وفي بلاطه، كما شاع تقديمه في زمن رضا خان (رضا شاه البهلوي) بالرز و باسم جلوكباب بين الناس. أما مبدع الجلوكباب فهو شخص يدعى "غلامحسين خان نايب"، و فروع مطعم نايب المتواجدة حاليا في طهران و في مختلف مدن أمريكا و أوروبا هي لأبنائه و أحفاده.

ويفيد تقرير آخر أنه في أكثر الظن و بناء على ما كتبه ميرزا محمد رضا معتمد الممالك في كتابه تاريخ القاجار فقد تم تحضير الكباب حسب أمر ناصرالدين شاه شخصيا وفقا للكباب القفقازي حيث كان ناصرالدين شاها من أصل قفقازي. و بعد ذلك قام طهاة المطبخ الملكي بتغييره حتى تحول إلى شكله الحالي. ويحكي دوست علي خان معيّر الممالك، وهو أحد أحفاد ناصرالدين شاه، أنه كان لناصرالدين شاه 87 زوجة أربعة منهن زوجات رسميات و الباقي زوجات متعة. و في يوم الجمعة كان الملك إذا أراد السفر إلى الري لزيارة قبر السيد عبدالعظيم الحسني كان على خدامه الذهاب إلى المنطقة يوم الخميس لإعداد ألف أو ألفي كباب للشاه و لألف شخص من زوجاته و أصحابه و خدامه. ولابد من تقديم الكباب بالخضروات و البصل


الجلوكباب و السياسة

هناك وثائق تاريخية عن الجلوكباب و تأثيره على السياسة. في عام 1324 حينما ارتفع سعر السكر المستورد من روسيا بسبب نشوب الحرب بين روسيا و اليابان، أحضر علاءالدولة حاكم طهران وقتها، هاشم قندي و إسماعيل خان تاجري السكر و مستورديه قاما برفع سعر السكر و بدأ في المفاوضة معهما لكنهم لم يصلوا إلى أي نتيجة فأمر علاءالدولة أن يجلدوهما بالسياط. وطلب ابن هاشم قندي من علاء الدولة أن يجلده بدلا من والده فرفض علاء الدولة و أمر بجلده أيضا 500 جلدة. وعندما حان موعد الغداء أمر علاءالدولة بإيقاف الجلد و قال للمتهمين الثلاثة: «لكل عمل وقته المناسب و بما أن الجلوكباب جاهز الآن يجب أن نأكل الجلوكباب و بعد الغداء سيستمر الجلد.»

وفي زمن ثورة النظام الدستوري و أثناء إلقاء محاضرة أحد دعاة النظام الدستوري في تبريز يتساءل صاحب مطعم جلوكباب: «ما معنى النظام الدستوري؟» فيجیب المحاضر: «النظام الدستوري يعني الجلوكباب الرخيص»! و يشير بيده إلى طول الكباب و يقول: «سيكون الكباب بهذا الطول»! و يريه ذراعه و يستطرد قائلا «و ضخامته كذراعي هذه.»!

أقدم مطاعم جلوكباب

تأسس أقدم مطعم جلوكباب في طهران قبل 120 سنة. ويروي إعتماد السلطنة في كتاباته أن أول مطعم جلوكباب باسم نايب كان يقع في سوق طهران وكان يتم فيه تقديم الأطعمة على الموائد بشكل مماثل للمطاعم الأوروبية. ومع ذلك تشير وثائق أخرى إلى تأسيس أول مطعم جلوكباب في تبريز بالقرب من حدود القفقاز.
مطعم جلوكباب نايب
كان طهاة مطعم نايب يضعون الرز في الصحون بشكل هرمي و مع قطعة من الزبدة و يأخذ النادل صحون الرز واحدا واحدا إلى الموائد في حين يضع نادل آخر الكباب مع السيخ في الصحون فورا. و يمكن لكل شخص أن يأكل أي عدد من الكباب و المبالغ المستلمة متساوية بالنسبة لكل الزبائن و ليس هناك فرق بين من أكل كبابا واحدا و بين من أكل اربعة أو خمسة كبابات. أقدم مطعم جلوكباب في طهران هو مطعم نايب وحاليا يديره الدكتور حسين يزدان منش حامل شهادة الدكتوراة في فرع علم الإجتماع من فرنسا. ويعتقد الدكتور يزدان منش أن امتلاك مطعم جلوكباب مشهور و جدير بالثقة لا يقلّ أهمية عن حيازة شهادة الدكتوراة في علم الإجتماع.

مطعم جلوكباب شمشيري
كان حاج حسن شمشيري صاحب أشهر مطاعم جلوكباب في طهران باسم مطعم شمشيري والواقع في الجانب الشرقي لسبزه ميدان.[2] وقد تأسس مطعم شمشيري في زمن رضا شاه و من ثم انتقل إلى مبنى ذي أربعة طوابق. الطابق الأول هو المطبخ و الثاني مطعم خاص لاصحاب المحالّ و أصحاب السوق و العزاب و اختص الدور الثالث و الرابع للأسر و الوجهاء. كل الطوابق مزينة بالمرايا و البلور و كان يشرف حاج حسن الشمشيري شخصيا على الطبقتين الثالثة و الرابعة.

كانت رائحة الكباب و الرز الذي يطبخ في مطعم شمشيري تفوح في الفضاء المحيط بالمطعم من الساعة الحادية عشرة صباحا و توسوس للمارة بأكل الجلوكباب. واشتمل جلوكباب الشمشيري على صحن من الأرز مع الزبدة و كبابين اثنين.

كان شمشيري من مساندي الدكتور محمد مصدّق في حركة تأميم صناعة النفط و في عام 1320 بادر بدفع مليون ريال، و كان مبلغا هائلا و ملحوظا آنذاك، لدعم تأميم صناعة النفط. وبعد انقلاب 28 مرداد و إلقاء القبض على مصدّق بواسطة زاهدي، اعتقل شمشيري أيضا و نفي إلى جزيرة الخارك. ويكتب كريم كشاورز رفيق زنزانة شمشيري في ذكرياته الخاصة: «تعهد شمشيري تقديم أفضل جلوكباب برك و كوبيده [3] لرفاقه في السجن و للأسف لم يحالفه الحظ حتى يفي بعهده.»

إن الكثيرين من الكتاب و الروائيين قد ذكروا في مقالاتهم اسم جلوكباب الشمشيري بوصفه أقدم و أشهى كباب في إيران. وفي الوقت الحاضر يطلق بعض أصحاب المطاعم اسم شمشيري على مطعمهم تعبيرا عن جودة جلوكبابه، و يدّعي طباخوها بأنهم كانوا طهاة لدى لشمشيري ولكن الحقيقة هي أن الشمشيري توفي قبل ثلاثين سنة و لا يمكن لطباخه، وكان طاعنا في السن، أن يعمل حتى الآن وربما يكون هوالآخر قد توفي مجهولا.

ومن الملاحظ خلال السنوات الأخيرة أن هناك حمى من جانب المطاعم للإقبال على طهو أنواع من الكباب بأحجام كبيرة. و كان مطعم الجلوكباب «بهلواني» من أول الأماكن التي تم فيها تقديم كباب أكبر من المقاس الإعتيادي و قد نعتبره مؤسس هذا النوع من الكباب. [4]

الجلوكباب خارج إيران

استوطن «جواد فريفته» الطاهي المخصوص لأحمد شاه القاجار في باريس قبل 80 سنه و هو الذي قدم الجلوكباب خارج البلد لأول مرة في مطعمه باسم مطعم جلوكباب فريفته. و كذلك افتتح «أحمد خان» الإيراني المقيم في ألمانيا مطعما في زمن النازية و أسماه هتلر و كان يسمح لمؤيدي هتلر و النازية بالدخول هناك. و ثمة في لوس أنجلس مطعم جلوكباب اسمه نايب و أكثر الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة من زبائنه. هناك مطعم آخر باسم بسودو جلوكباب أو شبه الجلوكباب حينما سئل معنيّ هناك عن سبب هذه التسمية و عن معنى الإسم رد قائلا يتشكل الجلوكباب التي يتم تقديمه هنا من الأرز الإيراني و شريحة لحم البقر. إذن، فلا يجدر بنا أن نسميه جلوكباب[5] و من الأفضل تسميته شريحة لحم البقر بالرز. هذا الطعام يشابه الجلوكباب الحقيقي لكنه ليس هو نفسه مائة بالمائة . [6]

الملحقات:
________________________________
[1]: صحيفة ابتكار رقم 1058 تاريخ 17/8/1386 ه.ش
http://www.ebtekarnews.com/Ebtekar/News.aspx?NID=22947
[2]: «سبزه ميدان» بمعنا الساحة الخضراء هي ساحة معروفة قريبة من سوق طهران ./كيوان
[3]: هناك أنواع مختلفة و متنوعة من الجلوكباب هي: چلوكباب برگ، چلوكباب كوبيده، جوجه كباب، چنجه، شيشليك، لقمه، سلطاني و .../كيوان

[4]: حاليا يقدم مطعم جلوكباب البرز في شارع سهروردي أكبر وأشهرأنواع كباب، و هناك نوع آخر من كباب كوبيده اسمه كباب بناب منسوب إلى مدينة بناب في محافظة الآذربايجان الشرقية يعتبرأكبر أنواع كباب كوبيدة./كيوان

[5]: عادة يطبخ أفضل أنواع الجلوكباب بلحم الخروف لكن توجد نوع من جلوكباب برك بلحم البقر و بسعر أرخص./كيوان
[6]: هناك مطاعم جلوكباب أخرى في الولايات المتحدة. حكى صديق لي عن مطعم قصر كباب في واشنطن و أشاد بجلوكبابه. هنيئا له./كيوان

ليست هناك تعليقات: