«جميع الحيوانات متساوية ولكن بعضها أكثر مساواة من الآخرين.»
***
كنت أفكر في نفسي ليتنا نتحدث أكثر عن ....
دعني أحكي لك القصة من البداية
كان عليّ كتابة تعبير عن أشهر لوحة فنية لدافينشي و بالطبع تعلمون أنها الموناليزا. عثرت على معلومات عنها في ويكيبديا و ألقيت المحاضرة في الصف لا أريد أن أكررها هنا ثانية.
لكني أثنا محاضرتي تذكرت شيئا...
نعم تذكرت فلم شفرة دافينشي قد تعرفه. يقول الفلم أن مريم المجدلية كانت زوجة المسيح سرا وأم ابنته. فجأة لفتت انتباهي نقطة مثيرة بعض الشيء. بغض النظر عن كون القصة صحيحة أو غير صحيحة يمكننا النظر إليها من جانب آخر.
ذكر اسم دافينشي و أعماله الفنية بأي عذر و ذريعة و في كل زمان يجعله حيا ولو بعد مضي أكثر من خمسمئة سنة.
أتذكر أنه في افتتاحية دورة الألعاب الأسيوية الدوحة 2006 شاهدت صورة ابن سينا على شاشة الملعب بوصفه عالم عربي دون ذكر كونه إيرانيا و استغربت كثيرا حينما قرأت مقالة في مجلة العربي حول ابن سينا و لم يشر الكاتب إلى أنه كان إيرانيا و ذكره كعالم عربي تماما.
لا أريد إلقاء اللائمة على أحد أبدا. حان وقته أن نحمل المسؤولية على أنفسنا قبل تحميلها للغير. إن نسيان الممتلكات الثقافية و القومية و الدينية و... يؤدي إلى الخضوع و الإستسلام لكل ثقافة أخرى و الحوار البناء يؤدي إلى ازدهار كل الثقافات.
كاد العالم أن ينسى جلالدين الرومي إذا لم تكن دعوة اليونسكو إلى اعتبار العام الماضي احتفالية عالمية بالذكرى الـ800 لميلاد جلال الدين الرومي.
من يدري لو لم يكن إهتمام الغربيين بتعريف عمالقتهم الفنانين ربما كان قد ادعي أحد أن الدافينشي مثلا من الأصل الإيراني. ربما كان اسمه «داريوش» و تحول إلى دافينشي بسبب صعوبة نطقه في اللغة الإيطالية!!!من يدري؟!! و كنا نقول له الآن نحن الإيرانيون "عمو داريوش"(عم داريوش)
يجب أن نفتح نافذة للحوار بيننا بعيدا عن كل انحياز و حكم مسبق و بعيدا عن كل اختلافات قومية و دينية و ....
أردت أن أقول في بداية المقال" ليتنا نتحدث أكثر عن كل شيء."
***
و صدقت و آمنت أخيرا بصعوبة زواجه . . فهذا الرجل تنشأ في القرية أضحوكة، و شبت فتيات القرية لا يبصرن منه و لا يعرفن عنه إلا أنه رمز السخرية، و مناط العبث، و مثار الهذر . . لقد كان في مجرد تقدمه إلى أسرة من القرية سوء أدب منه في نظرها، و تعد منه على كرامتها، و خدش لسمعتها . . إذ استقل شأنها فخصها دون أهل البلد بهذه المهانة و قلة التقدير . . هكذا كانت الأسرة تدفعه عنها كما تدفع الفضيحة . . و بلغ الحال من السوء أن أصبح "زنجر" شخصية تغيظ بها البنت المذنبة إذا أرادت تأديبا . . و لم يشذ عن استخدام هذه "الأداة" التأديبية أحد حتى أنا . . فقد انتهى بي الأمر أن آمنت بما يؤمن به الجميع في القرية . . و صرت إذا أردت أن أشتم بنتنا مهملة من بنات الخدمة في البيت أو حقل أكتفي بقولي:
- والله يا بنت لأزوجك بزنجر!
فتطفر دموع الخوف و الضراعة من عينيها في الحال . . و أدرك أني قد رفعت عليها بهذه الجملة سوطا يقيم عوجها و يصلح فاسدها.
كل هذا و "زنجر" في ملكوت من نفسه، و عالم من رأيه و حصن من "حالة معنوية" عجيبة . . مرتفع فوق لجج الإستهزاء العام، لا تعصف برأسه أنواء، و لا يصل إلى عينيه رذاذ و لا ماء . . لطالما سألت نفسي في أمره: أهو جمود؟ أهي بلادة شعور؟ أم هي صلابة شخصية و قوة الإيمان؟!
- و من التي ترضى أن تتخذها زوجة لك من بين بنات القرية؟
فقال بلا تردد:
- البنت "سلطانة"
يا للعجب! "سلطانة" هذه هي أجمل بنات القرية طرا. هي الزرقاء العينين العسجدية الشعر . . التي يخشى التقدم إليها أجمل فتيان القرية و أقواهم . . هي التي يتنافس فيها المتنافسون، و يتزاحم المتزاحمون، من بين من فرزت مؤهلاته و برزت صفاته . . فما تمالكت أن صحت به:
- طيب اسكت . . اسكت . .
مرت الأيام . . و عدت مرة أخرى إلى الريف بعد غيبة عنه طويلة فراعني ما أجد، و أذهلني ما أرى . .
زنجر قد تزوج . .
تزوج بمن؟
بفتاة أجمل من سلطانة!
و علم زنجر بحضوري، فجاءني و كأنه يقول: "هذه المرة تستطيع أن تسألني السؤال المعهود". و لكني كنت علمت الجواب من قبل . . فاكتفيت بأن أقرأ على وجهه سطور انتصاره . . بل لقد قرأت ذلك على وجوه أهل القرية أجمعين . . لم يعد "زنجر" في نظرهم ذلك "الأضحوكة" . . إن الإسم لم يزل حقا لاصقا به. و لكن قد غسل عنه كل معاني الهزء و السخرية . .
كيف حدثت المعجزة؟ لم يخبرني هو . . و لكن الذي قص عليّ شيخ وقور من شيوخ القرية، قال:
حدث منذ ثلاثة أشهر أن حضرت إلى القرية "ترحيلة" "لنقاوة" الدودة من زراعتة القطن و كان يعمل فيها بنات كثيرات من قرى بعيدة . . فيهن جميلات و فيهن رشيقات . . و كان زنجر هو "الخولي" عليهن . . فإذا هو يلمح من بينهن فتاة هي أسطعهن جمالا، و أوفرهن سحرا، و أكثرهن فتنة . . بل هي حسن لم نر له مثيلا في قريتنا . . فلزمها في العمل، و تودد إليها . . و خفف عنها . . و كان لا يأمرها إلا بمعروف، و لا يعاملها إلا برفق، و لا يحادثها إلا بلطف . . و تفتحت نفسه لها بيضاء جميلة كما تتفتح زهرة القطن . . كانت الفتاة طيبة القلب، فأبصرته "بعين" قلبها و لم تبصره بعين اذنها . . رأت فيه "الإنسان" و لم تر فيه "الأضحوكة" . . فهي من قرية بعيدة لا تعلم عنه شيئا . . فلم يقم بينه و بينها سد قديم من تلك الشخصية المبنية بلبنات الضحكات، في بلده، على مدى الأعوام . . لقد بادلته لطفا بلطف، و عندما قال لها مازحا ذات يوم "تتزوجيني؟" لم يرعه إلا قولها: "نعم" . . فقال لها:
- صحيح؟
فقالت:
- صحيح.
- تحلفي على المصحف؟
- أحلف
و أقسمت أنها جادة . . و أنها لا تطمع في زوج خير منه، فطار زنجر فرحا إلى أهله يزف إليهم الخبر . . و لم يصدق أهله هذا الكلام ألا بعد أن سمعوا قبول الفتاة بآذانهم . . فارتفعت "الزغاريد" في القرية . .و دفع زنجر المهر إلى العروس، فأبوها قد توفي و تزوجت أمها بغيره . . و جاءها بحلق و "غوايش" فضة و خلخال و مرتبة و لحاف و مسندين و مخدتين و حلة و طشت و فناجين قهوة و براد شاي و صينية و أربع ملاعق و أربعة أطباق . . إلخ إلخ . . ثم أعدت العدة ليوم الفرح فأحضروا الجمل و طفق زنجر مع إخوته بزينونه بسعف النخيل و البوص و الجريد و الشال الأحمر . . و أتموا صنع الهودج الذي سيحضرون فيه العروس الفاتنة من بلدها . . كل ذلك بين غناء أهل زنجر و غبطتهم بفوز هذا المظلوم . . و بين نظرات الدهشة و الحسرة و الندم من بنات القرية اللاتي سخرن من زنجر، فأظفره الله بمن لا يصلن إلى كعبها ملاحة و طهارة و دماثة.
أصغيت إلى كل هذا . . و علمت سر "المعجزة" . . لقد جاءه الخير و التقدير ورد الإعتبار من قرية أخرى بعيدة . . هكذا أنصفه الله . . بالطريقة التي أنصف بها من رضي عنهم من الرسل و الأنبياء .
***
مأخوذة من كتاب مدرسة المغفلين لتوفيق الحكيم